فلج الميسر بالرستاق.. هندسة معمارية وتميز فريد في توزيع مياهه بشكل متوازن
خلال بحثي في المراجع ومن ضمنها الصحف المحلية لإثراء هذا الموقع بكل ما ذكره المؤلفين عن تاريخ هذه الولاية العريقة، وجدت هذا التحقيق الصحفي الذي أجراه مراسل جريدة الوطن بالولاية عن فلج الميسر، ومن خلال قرائتي له، وجدته يحمل كثيراً من المعلومات المفيدة عن تاريخ هذا الفلج.
بعد أن تم إدراجه في قائمة التراث العالمي ضمن خمسة أفلاج بالسلطنة فلج الميسر بالرستاق.. هندسة معمارية وتميز فريد في توزيع مياهه بشكل متوازن الفلج يتفرع إلى أربعة أقسام وعمق المنبع الأم يتجاوز الخمسين مترا الأهالي لـ(الوطن): الفلج يعد إنجازا لكل عماني وعربي وسيعمل على تنشيط الحركة السياحية والاقتصادية في الولاية.
تحقيق ـ عبدالله بن عامر اللويهي:
عرف عن أهل عمان منذ القدم اعتمادهم على أنفسهم فعبر حقب التاريخ المتعاقبة طوع العماني نفسه مع الظروف الطبيعية والبيئية واستطاع بعصاميته أن يجعل من عمان واحة خضراء بفضل ما اهتدى إليه من أسلوب مميز وغاية في الدقة في ري مزروعاته ألا وهو ابتكاره لنظام الأفلاج هذا النظام والذي يعد بحق أحد معجزات الإنسان العماني القديم والتي حافظ عليها أبناء الجيل الحاضر بفضل تشجيع الحكومة الرشيدة للمحافظة على نظام الأفلاج ودعمه بكل أشكال المساعدة التي تضمن بقاء هذا الموروث العماني شاهدا على حضارة هذه الأرض الفتية. فلا تجد قرية عمانية إلا ويتخللها فلج يمر بين جنباتها ، وقد تجاوز عدد الأفلاج في السلطنة الخمسة آلاف فلج ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على براعة الإنسان العماني في استخدام الآلات البسيطة في شق هذا النظام المستحكم وتقوم فكرة الفلج في شق قنوات تحت الأرض وعلى مسافات قد تتجاوز الخمسة كيلو مترات بين الفلج الأم وبين المكان الذي تروى فيه البساتين ناهيك عن العمق الذي تشكله هذه المسافة الشاسعة فقد يصل عمق القنوات أكثر من خمسين مترا تحت الأرض ليس هذا فحسب بل إن الإنسان العماني استخدم هندسته المعمارية المتميزة لمسات جمالية على هذه القنوات كابتكاره نظام التصريف وتحويل مجرى المياه فيما يعرف محليا نظام ( غراق فلاح).هذا التفرد العماني في ابتكار نظام الأفلاج لفت انتباه كل من وطأت أقدامه هذه الأرض المعطاء الأمر الذي جعل من خبراء التراث العالمي وخبراء دراسة نظم الري يشبعون هذا النظام دراسات مستفيضة والتي كللت أخيرا بإدراج خمسة أفلاج عمانية ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).هذا الإنجاز يعد مفخرة لكل عماني وعربي ولا شك أنه سيساهم في إجراء المزيد من الدراسات حول ما تتضمنه السلطنة من موروثات وحواضر ستضاف إلى سجلات التراث العالمي وهذا الإنجاز لا شك أنه جاء بفضل حرص وتشجيع واهتمام قائد هذه النهضة الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ على المحافظة وإبراز التراث العماني كواحد من مكنونات التراث العالمي ..ومن بين هذه الأفلاج الخمسة المدرجة فلج الميسر بولاية الرستاق هذا الفلج والذي يعد بحق معجزة من معجزات الإنسان العماني لهندسته المتفردة وأسلوبه الفريد في كيفية توزيع مياهه بشكل متوازن. (الوطن) حاورت عددا من أهالي الولاية حول فلج الميسر الذين أبدوا سعادتهم لإدراج هذا الفلج ضمن التراث العالمي.
عن الفلج الشيخ سعيد بن سيف المزروعي (وكيل فلج الميسر) تحدث قائلا : إن فلج الميسر يعد أكبر أفلاج الولاية ومن ضمن أشهر خمسة أفلاج بالسلطنة ليس في طوله وإنما في المساحة الشاسعة من المزروعات التي يرويها ويرجع تاريخ بناء هذا الفلج كما تذكر المصادر إلى عهد الدولة اليعربية إضافة إلى هندسته المعمارية الفريدة بدءا من منبعه الأصلي وانتهاء بآخر نقطة يصل إليها للري. وأضاف : ان طوله الذي يبدأ من أم الفلج إلى أول نقطة يتم منها السقي تزيد عن التسعة كيلومترات حيث يبدأ من مكان يسمى بـ(الغدادية) على مشارف وادي بني عوف حيث يصل عمق المنبع الأم إلى أكثر من (50) مترا تقريبا ومن هنا تبدأ براعة الإنسان العماني في الوصول إلى هذا العمق وعبر أدوات حفر بسيطة حيث تم نحت صخرة في هذا المنبع بعمق (20) مترا كما أن طريقة حفر هذه الصخرة مثيرة للاهتمام نظرا للأسلوب العجيب الذي اتبع في كيفية نحتها فيخال للناظر وهو يشاهد هذه الصخرة المنحوتة بحثا عن المياه طريقة المثلثات المتبع في تقطيع ثمار البطيخ ، كما أن علو سقف العامد بشكل عام يبلغ ستة أمتار ليس هذا فحسب بل إن لهذا الفلج سواعد إضافية كل واحد ممتد إلى جهة معينة فيخال إلى كل من ينزل إلى عمقه أن هناك متاهة نظرا لتفرع هذه السواعد فمن هذه السواعد: ساعد وادي السن وساعد الحلاة وساعد القرن وساعد المنصور وساعد وادي الكور.ولا شك أن وجود هذه السواعد إضافة إلى ساعده الأصلي دور في بقاء تدفق الفلج وعدم تأثره بالجفاف الا نادرا كما أن لسد وادي الفرعي والذي انشأ قبل أم الفلج دور في استمرارية تدفقه ، إضافة إلى وجود العديد من الفتحات التي تعين على صيانته وتوفير التهوية اللازمة لكل من يعمل على إزالة كل ما يعيق تدفقه ، حيث تبلغ عدد الفتحات أو ما يعرف محليا (بالفرضة) (270) فرضة. وأضاف:ان اتساع عامد الفلج وتعرجه الفريد وتخلله بين المزارع وواحات النخيل أكسبه منظرا فريدا يبهج نفس زائره ناهيك عن خريره من خلال تدفقه وانسيابه السلس .وأردف قائلا : إن فلج الميسر يغذي منطقة العلاية بأكملها وهي أكبر واحة زراعية على مستوى الولاية التي تتجاوز مساحتها مئات الأفدنة من المسطحات الخضراء0ونظرا لاتساع وتشعب هذا الفلج يشرف عليه وكيلان الأول يعرف محليا بعريف الفلج مهمته الإشراف على توزيع مياهه والآخر يسمى وكيل الفلج ومهمته استلام الأموال الواردة إليه والإشراف على صيانته وغيرها من الأمور الإدارية الأخرى وحول صيانة الفلج قال الشيخ المزروعي إن بادة القعد توفر للفلج دخلا ثابتا تساعد على صيانته كما أن لاهتمام الحكومة الرشيدة بالأفلاج دورا كبيرا في صيانة الفلج ومد يد العون والمساعدة في ديمومة تدفقه وبقاء اللون الأخضر يغطي المساحة الأكبر من علاية الرستاق حيث قامت الحكومة الرشيدة بعمل الصيانة اللازمة له مرات عديدة والأمل يحدو أهالي الولاية في أن يتم مستقبلا صيانة أحد سواعده الا وهو ساعد الحلاة وساعد وادي السن الذين اندثروا ولم يعدا يغذيان الفلج .
أقسام الفلج الشيخ سيف بن محمد اللمكي قال إن نظام فلج الميسر فريد من نوعه فأمه العميقة جدا الفتحات التي تليها كلها مثيرة للاهتمام كما أن عامده المتسع لمياهه المتدفقة وهندسته الفريدة مما يدعو إلى التأمل والتمعن في براعة الإنسان لعماني وهندسته المحكمة وأضاف أن فلج الميسر مقسم إلى ثلاثة عشر آدا أو بادة كما يعرف محليا وهي آد علي وآد سحتن وآد الخالص وآد مهنا وآد البقل وآد شاذان وآد حمسليمان وآد النير الكبير وآد النير الصغير وآد الجابري وآد القعد وهذا الأخير ملك للفلج يتم خلاله إيجار مياهه لمن يرغب ويعود ريعه إلى صيانته 0وأضاف إن فلج الميسر يقسم إلى فلجين أو (غيزين) غيز الفوق وغيز التحت كل واحد منهما أيضا بقسم إلى فلجين وبذلك يكون جملة الأفلاج التي ينقسم إليها فلج الميسر إلى أربعة أفلاج وهذا ما لا يوجد الا في القليل من أفلاج السلطنة وحول آلية تقسيم مياه الفلج لري المزروعات قال اللمكي:برع الأجداد في توزيع مياه الفلج وتقسيمه بحيث يشمل كل منطقة العلاية حيث قسمت مياهه إلى ما يعرف محليا (بالبادة) أو( الآد) ومدته يوما كاملا يتم توزيع مياه هذا اليوم إلى آثار والأثر الواحد مدته نصف ساعة ويتم معرفة دور كل واحد عن طريق عريف الفلج الذي يميز ذلك بنظام (اللمد) وهو عبارة عن مكان مبني بالحصى ومقسم بشكل يضمن العدالة تتوسط هذا اللمد عصا كبيرة وهذا النظام متعارف عليه ليس في ولاية لرستاق فحسب بل في العديد من الولايات أما في فترة الليل فيتم تقسيم المياه بنظام الساعات وهكذا.
تنشيط الحركة السياحية سرحان بن مصبح الذهلى عبر عن سروره لإدراج هذا الفلج ضمن التراث العالمي وقال : إن ذلك فخر لكل أبناء الولاية بل والسلطنة ككل أن يكون لأفلاج السلطنة نصيب في قائمة التراث العالمي وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص الحكومة الرشيدة على إبراز رصيد السلطنة الحضاري والتاريخي الضارب في عمق التاريخ وليكون شاهدا على الدور الريادي والحضاري لهذا البلد المعطاء وأضاف أن هذا من شأنه تعزيز وتنشيط الجانب السياحي للولاية وللسلطنة بشكل عام كونه سيكون محطة للزائرين نظرا لما يتمتع به من مقومات تجعل منه وجهة لزائري الولاية كما أنه سيفتح الباب أمام الشباب والمهتمين للعمل كمرشدين للسائحين وزائري هذا الفلج نظرا لما يحتويه من فنون هندسية معمارية ولطوله الممتد جديرة بأن تكون محل إعلام الزوار.
تراث حاضر (محمد بن سليمان الهطالي) قال إن فلج الميسر واحد من جملة التراث العماني الخالد والشاهد على إبداع العمانيين وبراعتهم حيث أن هذا الفلج بأسلوبه البديع والمبتكر جدير أن يكون ضمن سجلات التراث العالمي فهو بحق تحفة هندسية فريدة ويعد شاهدا للدور الذي لعبه العمانيون طيلة فترات التاريخ وتأكيدا على حرص الحكومة الرشيدة على إبراز هذا الموروث وغيرها من الشواهد التاريخية العمانية التليدة.