الرستاق، حصن ومهد دولتين
تبدو مسيجة بجبالها ، مدينة تحتمي بالصخر وكأنها الموقع الحصين الذي شيدته الطبيعة كملاذ يربط بين الساحل العماني وبقية الولايات الواقعة في الداخل ، تطل على الرستاق خمسة جبال وبها خمسة أودية رئيسية ، الجبال المطلة : والمارات وضوى وجبل شمس والجبل الأخضر ، والأودية ، وادي بني غافر وبني عوف وبني هني والحيملي ووادي السحتن.
وصفها ابن شيخان حين مدح الامام سالم بن راشد الخروصي بقوله :
وما الرستاق إلا عرش ملك
عليه يستوي المسعود قهرا
دعتها لنفسها الرستاق كفوا
وكانت في حمى الماضين بكرا
عليها رفرفت رايات عدل
بها كتب الإله للنصر سطرا
به الرستاق قد مالت دلالا
كخود أقبلت في القصر سكرى
المسير إلى الرستاق مسير إلى تاريخ محاط بمهابة جبال ، وعمق بعمق أودية الولاية الضامة لكنوز من الحكايات مر أبطالها من هنا ..
في مندوس الرستاق أسفار من القصص المروية عن جوانب تاريخية حين عبر هذه الاودية نحوها أئمة وعلماء ومحاربون ، محتمين بأسوار الصخر ليقيموا ملكهم وينشروا علموهم ويستوطنوا هذا الحمى.
الرستاق تابعة لمحافظة يتراءى البحر حين يذكر اسمها ، لكن الرستاق أخذت من مسمى الباطنة ما تبطن به موقعها حيث الجبال سور صخري بالغ القساوة ، لكن حالما تعبر المنفذ الجبلي هبوطا إلى أول حاراتها حتى تواجهك مدينة أقرب إلى اللوحة حين تتجلى بواقعية تفوق الواقع ، هناك القلعة كأن التاريخ ينبعث من بين الجبال كبركان من الشموخ ، وهناك النخيل الملتفة حول مفردة التاريخ ، المنظر يتجلى بحسن لا يقاوم ، لكن السيارة تأخذ مسارها هبوطاً نحو أول حكاية المكان ، شارع مسفلتة كشرايين بين أجزاء الجسد الرستاقي ، للمكان حميميته وللوجوه السائرة عفويتها ، كرم يطل حين يلح عليك من لا تعرفه بأن (تفضل) وتزوره في بيته ، لكن أنى للوقت أن يأخذك بعيدا عن هذه التقاسيم التي تبوح بها الطبيعة في مدينة عبرتها رايات النصر والعلم.
هي احدى ولايات محافظة الباطنة ، لكنها لا تبدو واضحة للعابر على باقي الولايات المتراصة كحبات المسبحة على شاطئ خليج عمان ، لم تعشق البحر بل بقيت كمهاة جبلية تلوذ بسكنى الشوامخ ، فذهبت إلى سفوح الجبال وارتفاعاتها لتبني بيوتها ، ومعها ثلاث ولايات من الشريط الباطني هما نخل والعواببي ووادي المعاول لتقيم الولايات الاربع تنوعا صخريا يختلف عن الولايات الساحلية ، لكن السائر فيها يدرك أن يد العمران لم تتوقف لحظة أمام موانع الصخر ، ومثلما فعل الانسان العماني قديماً حين نحت الصخر ليصل إلى بناء دولة في تلك البقعة فان الرستاق فرحت اليوم بما تحقق فيها من منجز عصري شّيده الإنسان بما أوتي من قوة على مغالبة قساوة التضاريس ، ومعه أبدا حب المكان ، حيث الأمكنة تصنع منها الأيدي مدنا قادرة على العطاء بما تتشوق إليه النفس من راحة ..
الرستاق واحدة من ولايات الحجر الغربي بمحافظة جنوب الباطنة ، تقع على هضبة ترتفع 800 قدم عن سطح البحر ، تتصل شرقاً بولاية العوابي ، ومن الغرب تجاورها ولاية عبري بمحافظة الظاهرة إضافة إلى نيابة الجبل الاخضر وولايتا نزوى والحمراء بمحافظة الداخلية ، وشمالاً ولاية المصنعة ، وفي الجهة الشمالية الغربية ولاية السويق ، يتوزع سكانها على 170 قرية.
وتعود تسمية الرستاق إلى اصل فارسي ويعني الوادي والقوي والمعسكر ، والتسميات الثلاث علاقة بالمكان ، لكن هذا المسمى الفارسي لا يكاد احد يتذكره حين تطل مفردات التاريخ وقواسم العصر ، هذه التي توزعت على كل مدينة عمانية لتبدو كأنها عاصمة حقيقية في اطلالتها على ما حولها.
الجيولوجيا تقرأ المكان
اكتسبت الرستاق شهرة جيولوجية عالمية ، فهي تنفرد بوجود اكبر كتلة متصلة من مكاشف صخور “الافيوليت” ولهذه الصخور أهمية علمية كما يدركها علماء الجيولوجيا واقتصادية كما يعرفها خبراء المعادن ، ويرى علماء الجيولوجيا أن مسيرة عدة ساعات في وادي السحتن تأخذك في مسيرة لعدة أزمنة جيولوجية عمرها نحو 600 مليون سنة من عمر القشرة الأرضية.
ويشير د.سالم بن مبارك الحتروشي في بحث له إلى أن أهمية الرستاق الجغرافية في كونها حلقة الوصل بين ولايات السلطنة الساحلية في محافظة جنوب الباطنة وولايات كل من محافظة الداخلية ومحافظة الظاهرة ، كما تمثل المحور الذي انتقلت عن طريقه صخور القشرة المحيطة ومعها صخور ترسبت في أعماق المحيط لتستقر فوق الرصيف القاري شمال شرق الجزيرة العربية ، ويرى الباحث أن الرستاق تعتبر منطقة نموذجية لدراسة قطاع كامل في هذه الصخور.
التاريخ مر من هنا
نهضت الرستاق كولاية لها بعدها الحضاري حين شاركت في صياغة فترة من التاريخ العماني ، ومنها انطلقت دعوات الوحدة لتكون عمان صفا واحدا أمام هجمات الغزاة الذين لم يستوعبوا دروس التاريخ ، حيث صاحب الأرض يحمل نور الحق مهما ضعفت قواه أمام سطوة المحتل.
وإشارات التاريخ التي ما زالت في الرستاق تنبؤ بمجد عاشته المدينة ، قديما حين كانت عاصمة لدولة اليعاربة ، وحديثا وهي تمازج بين أمسها ويومها باحتفائية الطامح لمكانة مستحقة ، ومجد مؤكد.
كانت الرستاق عاصمة لدولة اليعاربة منذ عصر مؤسسها الإمام ناصر بن مرشد اليعربي عام 1624م ، ومنها انطلق مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد.
من الرستاق بدأ الإمام ناصر بن مرشد بتوحيد عمان تحت راية واحدة بعد ان تناثرت أجزاؤها بين مستعمرين اثنين هما الفرس والبرتغاليين ، وكان له النصر في غزواته ، أسس الإمام ناصر دولته على خلفية صراعات فتن ، وتذكر مصادر التاريخ أن الرستاق أن الرستاق وحدها كانت دولة مستقلة بإمامتها وجيشها وزعامتها حتى عهد الإمام محمد بن خبش بن محمد بن هشام الذي اشتدت الفتن في عهده حتى استولى ملوك النباهنة على مقاليد الأمور في عمان مكتفين بالمناطق الداخلية تاركين الساحل لسيطرة مملكة هرمز ، وورث السيطرة بعدهم البرتغاليون ، حتى قيام الإمام ناصر بن مرشد بتأسيس دولة اليعاربة.
لكن ما يكاد عام 1737م يأتي حتى شهدت السنوات الأخيرة من عهد الدولة اليعربية صراعاً بين أفراد الأسرة الحاكمة وحاول المتصارعون استمالة بقية الشعب لصالحهم ومن عجز فإنه وجد في القوى الإقليمية ملاذا مهمة لتقوية نفوذه فلجا سيف بن سلطان بن سيف اليعربي إلى ملك الفارس نادر شاه مستغيثاً به ، ولم يفوت نادر شاه فرصة ذهبية لتحقيق أطماعه في بلاد طالما حلم بها.
في تلك الفترة المرهقة للدولة العمانية صعد إلى سطح الاحداث الإمام احمد بن سعيد البوسعيدي رجل السياسة والحرب ، وبايعته الرستاق حاكما جديداً في عام 1744م ، وتمكن الإمام أحمد من كسب معاركه مع المستعمرين الفرس ليتحقق لعمان نشاطاً تجارياً عززته روح الاستقرار والطمأنينة ، وبقيت الرستاق عاصمة للدولة البوسعيدية الحديثة ، وانتقل مركز الحكم بعد ذلك إلى صحار.
في سرد تفصيلات في هذا المفصل التاريخي لولاية الرستاق الشيخ سيف بن حمود البطاشي في كتابه “إتحاف الأعيان” أنه “بموت الإمام سلطان أصبحت عمان دون إمام أو حاكم يتولى امور الرعية ويحارب العدو المحتل ، ولم تكن هناك شخصية بارزة تتولى زمام الأمور ، وتقتحم ميدان القتال لإنقاذ البلاد وتحريرها إلا أحمد بن سعيد”.
وبقيت هناك نزوى حيث طالب بلعرب بن حمير بن سلطان علماءها بالإمامة معتمدا على أنه كان إماماً سابقاً فبايعوه ، لكن سيرته عجلت بخروجه حيث قرر العلماء خلعه داعين الإمام أحمد بن سعيد إلى تسلمها ، وأرسل الإمام احمد بن سعيد بان عمه خلفان بن محمد البوسعيدي إلى تسليمها ، أعقب ذلك دعوة العلماء إلى الاجتماع في الرستاق لمبايعة احمد بن سعيد إماماً على كل عمان.
وتشير كتب التاريخ إلى إن الإمام أحمد كانت له جولاته السنوية ، ومنها كان يمضي 12 يوما في مسقط ، وتنشر في مواكبه أربعة اعلام ، علمان رأسيهما من ذهب ، والآخران من فضة ، ويصطحب معه القضاة والوزراء والعلماء.
ووصف الشيخ السالمي عصر الإمام احمد بقوله “كانت ايامه أيام راحة واستراحة بعد الفتن والمحن ، وكانت مدة ملكه بعد العقد تسعا وعشرين سنة ، ويورد ابن رزيق أن وفاة الإمام أحمد بن سعيد كانت في حصن الرستاق ودفن جنوبي الحصن في محلة بيت القرن وبني على قبره ولده سعيد قبة محكمة البناء غربي الحصن”.
وللضريح باب واحد وثلاث نوافذ ، وعلى قبر الإمام شاهدان على الأمامي منها آيات قرآنية وتاريخ وفاته المؤرخ في صباح الأثنين التاسع عشر من شهر محرم سنة 1198للهجرة وعلى الشاهد الخلفي آيات قرآنية وأبيات من شعر المراثي.
مدرسة الرستاق
كانت عصور الإمامة في عمان تقوم على سلطة دينية أكثر من كونها سلطة سياسية مع عدم وضوح سمات الدولة كما تتجلى في العصر الحديث ، وتبعا لذلك فإن العلماء اكتسبوا مكانة مستحقة في تلك الحقب المهمة من التاريخ العماني حيث كان لحملة العلم دور كبير في اختيار الأئمة وعزلهم عبر مجلس للعلماء.
وشهدت أكثر من مدينة في السلطنة استقطاباً للعلماء لتكون بمكانة الجامعات المعروفة في الراهن من عصرنا ، من البديهي أن يتبع الاستقرار السياسي زخما علميا ، والرستاق بما عرفته من تواريخ متعاقبة أوجدت مجموعة من المدارس العلمية والفقهية حسب مفاهيم ذلك العصر ، وأشار الباحثون إلى أن مكانة الرستاق العلمية لا تقل عن أهميتها السياسية ، خاصة في مرحلتي قيام الدولتين اليعربية والبوسعيدية ، وذكر المؤرخ الشيخ سالم بن حمود السيابي مدرسة الرستاق بأنها غاصة برجال أهل العلم والعمل.
ومن علماء الرستاق من هم نبتوا على أرضها ، ومن طاب له المقام في حدائق علمها بما فيها من غنى وثراء ، وحري بالمتتبع بالمسيرة العلمية في الرستاق ذكر أهم العلماء ، ومنهم الامام جابر بن زيد الذي شهد له الصحابة بسعة علمه ، وكعب بن سور العتكي الذي تولى قضاء البصرة بعد ما أعجب به الفاروق عمر بن الخطاب وما رآه فيه من غزارة علم وسرعة بديهة.
واللافت أن مؤسس دولة اليعاربة الإمام ناصر بن مرشد تربى على يد عالم معروف هو العلامة خميس بن سعيد الشقصي الذي رشحه لمنصب الإمامة ، وما قام به الإمام من دور تاريخي في حياة عمان.
ومن علماء المدرسة الرستاقية العلامة راشد بن سيف اللمكي والعلامة نور الدين السالمي ، هذا العالم الموسوعي الذي أضاف للمكتبة العمانية مجموعة كبيرة من المؤلفات تنوعت في عقيدة واصول الدين والفقه واللغة العربية وعلوم البلاغة والبيان والتاريخ ، ومن أبرز كتبه تلقين الصبيان ، وتحفة الأعيان في سيرة أهل عمان ، وجوهر النظام ، والمنهل الصافي .. وغيرها الكثير .. كما أن القائمة العلمية في مدرسة الرستاق تحتفظ بكثير من الأسماء.
ولم تكن علوم الفقه وحدها حاضرة في مفكرة مدرسة الرستاق العلمية ، فهناك أسماء مازجت بين علوم اللغة والأدب لتكون معينا لا ينضب للباحثين عن فروع الشعر وآداب اللغة العربية ، الشيخ خلف بن سنان أبرز شعراء المدرسة العلمية التي عرفتها الرستاق ، تنبأ للإمام أحمد بن سعيد حينما وضع الشيخ يده على رأس الإمام أحمد وكان صببيا آنذاك وقال له : اتق الله في الرعية ، له مكتبة تغزل في مكوناتها بقوله :
لنا كتب في كل فن كانها
جنان بها من كل ما تشتهي النفس
جرى حبها مني ومن كل عالم
ذكي الجحا والفهم حيث جرى النفس
فلا ابتغيي ما عشت خلا مؤانسا
سواها فنعم الخل لي هي والأنس
وعرفت مجالس العلم والأدب في الرستاق مجموعة من الأعلام بما يطيل أمر ذكرها وما تركته من نفائس ، فهناك شيخ البيان محمد بن شيخان السالمي والشاعر محمد بن عيسى الشكيلي الذي له قصيدة في مدح جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم :
نسائم اللطف هبت من أعاليه
حتى استدارت بعطف من نواحيها
واستمطرت سحبا بالفضل هامية
ببين البرية قاصيها ودانيها
أزيح في طل هم في القلوب عشى
والشروق أسعد نورا في نواحيها
ولم تكن المرسة الرستاقية مقتصرة على فروع العلوم الفقهية واللغوية بل كان بها علماء تركوا مؤلفات في العلوم الطبية ومنهم الشيخ راشد بن خلف واين أخية عميرة بن ثاني بن خلف وراشد بن عميرة الذي ذكر فيها العلل التي تحدث في جسم الإنسان من الرأس إلى القدمين ، إضافة إلى كتاب مقاصد الدليل ومحتويات على تجاربه الطبية.
قلعة الأسرار
بعد ان تركنا البوابة الجبلية نزولاً إلى ولاية الرستاق ، كانت خطواتنا تقودنا إلى القلعة ، بناء مهيب تصعد سلالمه فتشعر بهيبة التاريخ الذي مر عليه عظماء أداروا المكان العماني من هنا ، بنيت القلعة بداية على الخرائب الفارسية حوالي عام 1250م ، وإعدي بناؤها على هندستيها الحالية في عهد أول أئمة اليعاربة في الفترة من 1624-1649م ، وتتكون من طابقين إضافة إلى الطابق الأرضي ، بها مساكن ومخازن للأسلحة وغرف استقبال وبوابات ومسجد وسجون وآبار اضافة إلى مرافق أخرى.
تتضمن قلعة الرستاق أربعة أبراج بنيت في عامي 1477م و1906م ، اولها البرج الأحمر ، ويبلغ ارتفاعه أكثر من 16 مترا وقطره تسعة أمتار ونصف المتر. وثانياً : برج الريح الذي بناه الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملق بقيد الأرض ، ويوجد قبره في الركن الغربي من القلعة. ويبلغ ارتفاع برج الريح نحو 12 مترا ، والقطر 12 مترا أيضا ، ويحيط بسوره مائة مثلث تجميلي. وثالثها برج الشياطين ، وبناه الإمام سيف بن سلطان اليعربي أيضاً ويبلغ ارتفاعه 18 مترا ونصف المتر وقطره ستة امتار تقريباً ، وتحيط بسوره خمسة مثلثات تجميلية. ورابعها : البرج الحديث ، وبني في عهد الإمام احمد بن سعيد ، ويبلغ ارتفاعه 11 مترا ونصف المتر ، عليه ثمانون مثلثا تجميليا.
وتوجد في القلعة عشرة مدافع / أربعة منا في البرج الحديث ، وثلاثة في برج الريح , والثلاثة الأخرى أسفل القلعة, كما توجد بها أربعة صباحات (بوابات) هي: صباح اليعاربة والعلعال والوسطى وصباح السرحة .
وقلعة الرستاق ليست المعلم الأثري الوحيد في هذه الولاية التي شهدت أحداثا كبيرة على مراحل مختلفة في التأريخ العماني, ويقال أن هناك نفقاً يمتد من قلعة صحار إلى حصن الحزم ، والحصن من أهم الحصون العمانية ، ويقع على مشارف الولاية ويكتسب أهمية عسكرية كبرى أكتسبها من بوابته الخشبية الكبرى ، وانفاق الهروب السرية والأبراج المحصنة وابراج وفتحات المدافع الموجودة في الطوابق العليا وهناك مساقط أعلى المدخل الرئيسي لصب الزيت أو عسل التمر المغلي على المهاجمين المندفعين.
ويعد الحصن ..-اضافة إلى موقعه العسكري- من روائع الفن المعماري الاسلامي العماني بناه الامام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي عام 1711م وهو ابن الإمام الملق بقيد الارض.
ويمتاز الحصن معماريا بعدم وجود أية اخشاب في سقوفه ، التي هي عقود مستديرة ثابته على اسطوانات أو أعمدة ، ويمتاز بسماكة جدرانه حيث يبلغ عرض الجدار أو الحائط الواحد نحو ثلاثة أمتار.
وللحصن عدة أبواب ضخمة لا تلتقي بممر واحد ، وبه عدة مدافع أثرية برتغالية واسبانية يصل مداها 70 كليو مترا. وهو يتميز بوجود عدة سلالم خاصة لصعود الخيل ، بالإضافة إلى الممرات السرية التي يبلغ عرض كل منها مترين بارتفاع مترين آخرين ، وهي ممرات تنتشر في الجاهات الاربع للحصن لتخرج بعدها إلى المدينة. كما يوجد في حص الحزم عدد من الغرف التي كانت مستخدمة لتدريس القرآن الكريم والعلوم والمعارف الدينية ، ويخترق الحصن فلج أو مياه متدفقة.
أما حصن الحوقين فيرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1722م ويمتاز ببنائه الطيني ، يضاف إلى ذلك مجموعة من الحصون الصغيرة المنتشرة على امتداد الولاية ، ومنها تلك الموجودة في الغيث والوشيل والوسطى واللمكي والشرق والصبارة ، وهناك 22 برجاً من اهمها الصايغي ودارس والحاجر والعالي وحويل والمجاز وعرر والسعيدي والكهف وصنعاء والمهيب والقبيل.
وتبقى للتاريخ شواهده التي لا تحصى في الولاية ، فهناك المساجد الاثرية ، وأهمها جامع البياضة الذي يتخذ موقعه في الطابق الاراضي من قلعة الرستاق ، وقد تخرج منه العديد من الفقهاء والعلماء الذين أضاءوا دروب التاريخ العماني ، ومنهم الامام ناصر بن مرشد والشيخ خميس بن سعيد الشقصي ، والشيخ جاعد بن خميس الخروصي ، والشيخ نور الدين السالمي.
يشغل هذا الجامع مساحة تمتد طولاً نحو 28 مترا ونصف المتر ، وعرضاَ 17 مترا ونصف المتر ، ويتوسط المسجد فتحة في سقف البلاطة السادسة تمتد بطول المسجد للإضاءة والتهوية ، وشهد عدة بيعات عقدت فيه بين الائمة إضافة إلى بنود واتفاقيات وضعت حروفها بين اركانه.
تلك العيون
شمالاً ، باتجاه عين الكسفة أخذنا الشارع بمحبة بين ظلال النخيل التي شمخت بجلال رغم ارتفاعات الصخر المهيبة كما هي جبال الرستاق وعشقها للاقتراب من الغمام الذي يعبر الفضاء بما يبقي المكان خصباً على مدار العام.
بجانب مسجد صغير استدار ت عين الكسفة بانتظار زائريها المطلقين لأبصارهم متعة النظر ولعقولهم روعة التأمل في مياهها المنبعثة من قعر غير مرئي ، أدخنة الماء الساخن تغري بمزيد من الاسترخاء الفكري ، مياه طبيعية تخرج من الارض حرارتها 45 درجة مئوية ثابتة ، وتشتهر مياهها الكبريتية بعلاجها لأمراض عدة منها الجلدية والروماتيزم.
على ضفتي الجدول الصغير المنسابة مياهه من العين يقف الزوار ، يحلو لهم تجربة سخونة الماء ، غسلاً للوجه ، أو ربما لأخذ فسحة من السباحة لمزيد من الابتهاج إذ تغسل المياه الساخنة تعب يوم حيث تحرك الدم في الشرايين بحيوية أكبر .. وعين الكسفة ليست وحدها في الولاية ، هناك عين الحويت الواقعة في وادي بني عوف ، وعين الخضراء في وادي السحتن ، وعين الزرقاء في الحوقين.
حان المساء ، ونهار من التجوال في الرستاق لا يفي المدينة حقها ، لديها من الأمكنة التابعة لها ما تحتاج إلى تجوال ، بين تلك الجبال ما يغري بالسير نحوها فأودية الرستاق غنية بمشاهد قد تعجز الكلمة عنها ، ومواسم الفاكهة التي يعرفها وادي السحتن تعطي الزائر مساحات للتأمل في الجمال المختبئ بين هذه الكتل الهائلة من الصخر.
حان المساء ، والسوق يتحرك بنشاط محبب ومحفز للجلوس بين اولئك العابرين كأنه لا أحد هناك جاء يرقب هذه الحياة الغنية بمشاهدها ، المحلات التقليدية والصناعات اليدوية المحمولة في أيد عامرة بالحيوية تتقافز إلى الذاكرة لتكتب مشاهد حية ، الوجوه لها حكاياتها ، واللهجة الرستاقية باعثة على مزيد من المتابعة ، حركة إنسانية يومية تحتفظ بتفاصيلها ، حيث التمايز لابد منه لتكون الصورة أكثر شمولية.
تركنا الرستاق لتعيش حاضرها ، فالعصر منحها جانباً من اهتماماته ، هناك يقف مستشفى الرستاق ليقدم خدماته بتخصصيه ، وقد بلغت تكلفته 13 مليون ريال عماني وهناك أكثر من 40 مدرسة تتوزع على قرى الولاية تضاف إلى كلية التربية وغيرها من المواقع التعليمية ، مدينة تعيش حياتها بمفردات عصرية تكتب أبجدية جديدة في دفتر الرستاق الحاكي عن أزمنة مرت بين جنباتها كمكان استراتيجي.