أهم الأفلاج في الرستاق

أهم الافلاج هذه المدينية أربعة ، اثنان باردان ، والآخران ساخنان المُيسر وأبو ثعلب : وهما من أقدم الأفلاج فيها ، وقد أصلح فيهما أئمة اليعاربة إصلاحاً زاد من نشاطهما وتوسيع قنواتهما ، وهما باردان ، معتدلان خصبان ، ومما يقال أن فلج (أبو ثعلب) قام بإصلاحه وتعميقه بنو عم الإمام سيف بن سلطان اليعربي ، الذين سكنوا الرستاق ، وهم الذين بنوا “بيت السبعة” الذي سمي بعددهم ، كما سيأتي ذكره ، وقد اطلق على هذا الفلج اسم (أبو ثعلب) حيث كان فلجاً صغيراً ، مات فيه ثعلب فانسد عن أهله ، ولقب بذلك قديماً ، وأنشد فيه الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري حين زاره وهو مار بمحلة الصوالح بيتاً من الشعر :

قف بالصوالح وقفة المتعجب                                وقل السلام عليك يا بو ثعلب

            والثالث فلج الصايغي : وهذا مما أحدته اليعاربة إبداعاً عجيباً وأدخلوه داخل الحصن وخرج منه ليسقي شمالاً وجنوباً من الحصن بحيث لا يُفقد الماء من ساقية الحصن بهندسة معمارية فنية ، يدركها المتأمل متى وقف على ذلك مشاهداً ، وهو من الأفلاج الحارة وتبلغ درجة حرارته (25م).

            والرابع فلج الحمام : وهو نبع عين تفور من باطن الأرض ، من عمق لا يقل عن (70) متراً ، وهو شبه انفجار بركاني ، وتبلغ حرارته (60م) وهو من الأفلاج التي لا تزيد ولا تنقص من الأمطار إلا شيئاً بسيطاً وهذان الفلجان ينسابان من الغرب إلى الشرق ، والأولان من الشرق إلى الغرب ، وتلتقي جميعاً بوسط المدينة ، وكل واحد منهما يسقي ما يسقيه الآخر من الأراضي الزراعية من حيث استوائها في بعض المواقع ، وللعلم فإن شرجة الصايغي تفصل ببين الشرق والغرب في داخل المدينة ، وهي تضفي على المدينة جمالاً طبيعياً ، لكونها ممر مائي وقت الأمطار ، ومرسى لواردات السوق ، تتخللها طرق المدينة ، وتجتمع في السكان الإحتفالات والمناسبات الإسلامية والوطنية ، وذلك من العادات التقليدية القديمة ، ويجدر بنا ذكر فلجين من الإفلاج القرى التابعة للرستاق ، وهما من إبداع الدولة اليعربية أيام حكمهم.

            أما الأول فهو فلج (بلدة الحزم) شق قناته وأخرج مياهه من ينابيع الأرض الإمام سلطان بن سيف اليعربي الذي أسس حصن الحزم –كما سيأتي ذكره في فصل الحصون- وهذا الموضع كان يسمى قديماً الحزيم بالتصغير فغير أسمه الإمام المذكور ، فأصبحت القرية بلدة عامرة بالفلج الكبير ، والحصن المشيد ، والنخيل الخضراء ، وقد شق هذا الإمام ساقية طويلة المدى على سطح الأرض ، من بلدة الحزم إلى بلدة المصنعة ، ليسقي بها الاراضي الزراعية الخاصة بالدولة ، وذلك ليستغل الزمن الليلي الذي يُستغنى فيه عن سقي الفلج بالحزم ، فيطلق الفلج بن الحزم ليلاً بعد غروب الشمس ، ويستمر إلى طلوع الشمس ، فيسقي به نهاراً في الحزم نفسها ، ويُسقي به نهاراً في بلدة المصنعة حيث أنه يستمر الري به طيلة النهار في بلدة المصنعة مما تبقى في بطن الساقية ، لطول المسافة وهي لا تقل عن 40 ميلاً ، وبعد انقراض دولة اليعاربة انتهت عملية سقي المصنعة ، وبقي الفلج محصوراً لسقي بلدة الحزم ، ويُعد الآن من أخصب الأفلاج.

            وبقس الكلام عن الفلج المسمى (بالكامل) ومحاولة تأصيل هذا الفلج واستخراج ينابيعه من باطن الأرض وشق قنواته في الجبال والصخور محاولة جبارة استنفذت أمولاً طائلة ، واستغرقت مدة زمنية ، وهلكت فيه أرواح من رجال الأعمال الذين قاموا بالعمل فيه ، ولم تسعدهم الأقدار على إتمامه واستثماره. وكان من محاولات الإمام المذكور أن يمد قناته إلى أراضي بلدة بركاء لخصوبة الأرض فيها وسعتها ، وسنشرع في تفصيل الأعمال التي قام بها الإمام سيف بن سلطان اليعربي (قيد الأرض).

            المرحلة الأولى: فقد اشترى منم الرعية الكثير من الممتلكات التي تؤثر على هذا الفلج أو يؤثر عليها بالنقص ليتحاشى مضرة أي فرد ممن يملك أرضا أو بئرا أو عينا بالقرب من مسار هذا الفلج مما يحدث بسببه نقص أو أي مضرة كانت, فقد اشتراها بقيمتها وبدون اجبار, وضمن بعضها تعويضا مماثلا بما لا يس بحق مسلم ولم يبلغنا عن هذا الإمام أنه أضر بمال أحد من رعيته رغم ما حاول من عظائم الأمور, وقد شرع في تمهيد القناة الكبرى سواء كان في باطن الأرض أو ظاهرها ابتداء من مسفاة الجوابر إلى الصحراء التي تنفذ إلى ساحل الباطنة ونواحي بركاء, ويبلغ عرضها متران وارتفاعها ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار.

            والمرحلة الثانية : جاءت غربي مدينة الرستاق تنفذ من وادي حيل بنت وهذه الساقية حتى الآن توجد بما فيها من الماء على عمق 15 متراً عليها ثقاب متعددة صالحة للنفوذ إلى الماء المذكور حتى الان ، ويطلق على هذا الموضوع “الثقبة”. سكن عليه أهل المواشي بأغنامهم واستأهلوها لوجود الماء المذكور.

            أما المرحلة الثالثة : وهي عين الخضراء وهي تقع في مخرج وادي السحتن جنوب وادي بني غافر وهي من الينابيع الطبيعية من صخور الجبال وتقرب حرارتها من حرارة فلج الصايغي بزيادتها ، كما يقال أن امتدادها من باطن الأرض متقارب جداً حيث يزيد الصايغي بزيادتها ، كما يقال أيضاً أنهما يخصبان بأمطار الوادي الغربي من بلدة “يقاء” المعروف بوادي “طيسع” من وادي بني غافر مما يبعد عن عين الخضراء مسافة لا تقل عن 70 كم وذلك من غرائب المجاري الجوفية في باطن الأرض ، وقد شرع الإمام في بناء الساقية التي ستصل إليها مياه هذه العين ، على أن تلتقي بالمرحلة الثانية التي ذكرناها في وادي حيل بنت ولكنها انتهت بظهرة الفرس من بلدة الطباقة مسافة 10كم مبنية بالصاروج العماني.

            والمرحلة الرابعة :  خطة بناء سد بالقرب من منبع عين الخضراء لتخزين مياه الأمطار في وادي السحتن ، ولذلك اشترى الممتلكات من سكن هذا الوادي كما أسلفنا فكان أكثره بيت مال.

            والمرحلة الخامسة : استخراج المياه الجوفية من جبال وادي يقاء من وادي بني غافر المذكور سابقاً ، وهناك ظاهرة طبيعية تشير إلى وجود مياه متدفقة في باطن الجبل المذكور ، ويسمع حسيسها كل من اقتراب من هذا المكان ، وقد كتب في موضع منه على صخور الجبل العبارة التالية “بحر يموج سهل للخروج” ولعلها عبارة كتبها أحد مهندسي الدولة أيام هذا الإمام الذين قاموا بمسح الأرض عن المياه الجوفية ، ويظهر بناء ساقية على سفح هذا الوادي تمهيداً للماء المشار إليه هنا ، وانتهت الساقية إلى ظهرة بلدة يقاء من الجهة الشرقية غير أنها محاولة لم تكتمل بسبب وفاة الإمام.

            علماً أن مواضع حرق الطين لعمل الصاروج العماني الذي استخدام لهذه الساقية لا تزال آثاره باقية في الأماكن التي استخدم فيها الصاروج للبناء ، وخاصة من الحزم وإلى شمالي منطقة موريا شمال بلدة جما بعشرة كيلو مترات ، وفي حين احتياجهم على الماء للعمل والبناء نجد آبارا حفرت لهذا الغرض ، وبما أن الإمام جلب الايدي العاملة يومئذ من شرق أفريقيا فقد خصصهم للأعمال الفنية في الدولة ، حيث أن الأعمال الشاقة في خدمة هذا الفلج من حفر الأرض وصناعة الصاروج ، أخذت حظاً وافراً من الزمن هلكت في عشرات العمال ، وقد خصصت لهم مقبرة في شمالي بلدة مسفاة الجوابر بالقرب من جما ، وهذا مما يدل على كثرة العمال وطيلة العمل وحوادثه التي يلقى الإنسان فيها حتفه من خطورة الانهيارات وتكسير الصخور مما لا يمكن أن يسلم في العامل من الحتف الذي يلاقي فيه منيته.

            وإذا قلنا ان طموحات هذا الإمام يومئذ تمثل هذه الأعمال الجبارة ، فإنها تشير إلى علو همته التي دلت عليها أثاره الراسخة على أرض الواقع.