قرية بيت القرن بالرستاق، تاريخ عمان تجمع أصالة الماضي وازدهار الحاضر
إعداد: منى بنت منصور الخروصية..
كانت الرستاق إحدى عواصم عمان في عصر ما قبل الاسلام وفي العصر الاسلامي الوسيط ثم في عصر النباهنة , وتعتبر الرستاق من أكبر ولايات عمان لذا يبلغ عدد القرى والمدن فيها حوالي 109 قرى ومن هذه القرى والتي كانت سكنا لبعض السلاطين البوسعيد ومن قبلهم اليعاربة قرية بيت القرن .
حيث تقع بيت القرن في الجهة الجنوبية من قلعة الرستاق الشهباء , تتكون من عدد من المنازل التراثية الجميلة الشامخة , امتاز موقع بيت القرن بأنها قريبة من القلعة وكأنها تحرسها من جهة الجنوب من أي عدوان خارجي , كذلك فإن بيت القرن كانت مقر اللائمة والسلاطين والقضاءة والعلماء منطقة صغيرة في مساحتها كبيره ف دورها الحضاري والمعماري وتحيط بها مزارع بيت مال المسلمين من ثلاث جهات فمن الجهة الشرقية مزرعة طوي المخرج ومن الجهة الغربية المنجل ومن الجهة الشمالية مزرعة سبا وكانت كل هذه المزارع بما فيها النخيل بشتى أنواعة يوجد بها أشجار المانجو ( الامبا ) وأشجار اللومي ( الليمون ) وأنواع أخرى من الحمضيات اضافة الى أشجار الموز إلا أنه لم يبقى سوى أشجار النخيل وقد أختفت الاشجار الاخرى بسبب الامراض وقلة الري بذلك فإن بيت القرن لا تجاورها أي قرية أخرى من الجهات الاربع مباشرة وذلك لأهميتها السابقة .
لقد مرت منطقة بيت القرن بكثير من الاحداث المختلفة التي تزامنت على عمان في مختلف الفترات اليعاربة والبوسعيديين والنباهنة لذا فقد ارتبط إسمها بكثير من الشخصيات المهمة أولهم الامام سلطان بن سيف اليعربي الملقب بقيد الارض وبعض من أبناءه الى الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس دولة آل بوسعيد وابنه سعيد بن أحمد باني قبة اليعاربة على ضريح والده أحمد وناقل عاصمة عمان من الرستاق الى مسقط , والامام عزان بن قيس البوسعيدي وقد اتخذ بعض من كان يحكمون الرستاق مسكننا لهم في بيت القرن ، ومن هذه المساكن المسمى ببيت السافل ويعتبر من أكبر من المباني في المنطقة إذ يتكون من طابقي ضخمين يرتفع بناءه حوالي 15 مترا ويعتبر أحد القصور آن ذاك اذ يحتوي على كثير من الغرف المزخرفة ذات الطابع العماني الجميل والاسقف المزخرفة برسومات نباتية وهندسية رائعة وأبواب ذات نقوش هندسية دقيقة وجميلة ويوجد في هذا البيت مخازن لتخزين الحبوب والاعلاف الحيوانية واسطبل للخيول وصباح كبير يتوسط البيت كما يوجد به مسجد صغير في الاعلى لم يبقى سوى جدار محرابه كما يتميز البيت بأقواس كبيرة متعددة و كان عزان بن قيس آخر من اتخذه مسكنا له من الاسرة البوسعيدية ثم سكنته عائلات اخرى بوقت طويل وعلى مر السنين اخذت أسقف البيت وجدرانه بالسقوط والى وقتنا الحاضر فقد اختفت كثير من معالمه بسبب الامطار والحشرات ولم يبقى منها القليل لذا نناشد الحكومة الرشيدة متمثلة بوزارة التراث والثقافة بإعادة وترميم هذا الصرح .
ومن البيوت الاخرى الموجودة بمنطقة بيت القرن بيت الوسطى الذي لا يقل أهمية عن البيت السابق الا أنه يتكون من طابق واحد بأرتفاع 12 مترا تقريبا ويضم هذا البيت عددا من الغرف التي تحتوي على نقوش وزخارف على الاجدر والسقوف وكان مأهولا الى آخر الثمانينات فقد سكنه المرحوم الشيخ مبارك بن سالم المقبالي رحمه الله ، كذلك بيت الغربي وبيت الراس وكان في ما مضى مستشفى قبل أفتتاح مستشفى الرستاق الحكومي القديم الذي حلت مكانه مدرسة الشعاع التعليمية . وبيت الفوق وبيت المدرسة وبيت الشيخ الجليل محمد بن حمد الزاملي المعولي وكل هذه الاسماء متعارف بها من قبل سكان المنطقة .
ومن السمات المميزة في هذه المنطقة مرور فلج الصايغي الذي ناه قيد الارض والذي يمر على طول منطقة يت القرن مبتدءا بفرضة الشرح التي تعتبر شريعة الفلج وهي على الطرف الشرقي من القرية ثم يمر الفلج بمسجد السيدة عزة بنت قيس بنت عزان البوسعيدي ثم بمسجد العالي وعلى أمتار قليلة بفرضة صغيرة تستخدم لجلب الماء ثم بمبنى للنساء يسمى المجازة ثم بفرضة مسجد القبة ثم يدخل بفرضة بيت الوسطى ثم بفرضة مسجد الوسطى ثم بفرضة بيت السافل وبه مكانان الاول للرجال والثاني للنساء أحدهما أختفى ثم بمبنى استحمام النساء وتغسيل الملابس وما شابه وأخيرا بمبنى تغسيل الموتى وهو ما يسمى المغسلة ثم يدخل قلعة الرستاق من الجهة الجنوبية ويتم توزيع الفلج الى المزارع الاخرى سواء لبيت المال أو الخاصة من نفس المنطقة .
وللزائر لبيت القرن يلاحظ وجود خمس مساجد متوزعة في بيت القرن على صغر حجم المنطقة وهي مسجد العالي ومسجد الوسطى الذي يتوسط بيت القرن وكانت تقام فيه حلقات العلم والدراسه وعلوم التجويد وفي الوقت الحاضر تقام فيه بعض المسابقات الدينية والثقافية أضافة الى قيام الفرائض الخمس ومسجد القبة تيمنا بقبة البوسعيديين ( ضريح الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي ) ومسجد السوقما وذلك لوجود شجرة السوقما قريبة من المسجد ومسجد عزة بنت قيس البوسعيدي وعلى أطراف منطقة بيت القرن من الجهة الشرقي يوجد مصلى لأداء صلاة العيد إذ يجتمع أهالي المنطقة في الصباح الباكر ويطلق أحد الرجال من بندقيته ( الصمعة ) بداية التهليل والتكبير متجهين الى المصلى لأداء صلاة العيد يتقدمهم أحد المشايخ وكان آخرهم القاضي المرحوم مبارك بن سالم المقبالي .
كما يوجد في بيت القرن ضريح الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية الذي توفي سنة 1198 هـ / 1783 م وكانت وفاته قلعة الرستاق ودفن جنوب القلعة ببيت القرن وهو ضريح مربع عليه قبة دائرية الشكل ذات قطاع مدبب وتقوم على جدران مربعة ولهذا الضريح باب واحد ونوافذ بإطارات جصية مزخرفة . وخارج قبة الضريح يوجد قبران لبنات السيد حمود بن فيصل وهما عزة وأصيلة وقبر آخر لعمتهما شيخة بنت عزان بالجانب الشرقي بمن القبة .
وعلى الرأس الغربي من بيت القرن نجد ضريح الإمام سيف بن سلطان الأول ( قيد الارض ) توفي تاريخ 16/10/1711م وقد أصاب هذه القبة دمارا بسبب هجوم تخريبي بمدافع جنود محمد بن بور كما سموه أهالي الرستاق وذلك بما قام به من احراق المكتبات وتكسير الأفلاج وردم عين الكسفة , ولم يبقى من القبة شيئ يذكر سوى الدمار ومن ثم تم بناءها في عصر النهضة المباركة .
ومما يميز منطقة بيت القرن وجود طريق يتوسط المنطقة يسمى طريق قيد الارض وكان سابقا يستخدم كمركاض صغير واستعراض للخيول أيام الاعياد ومن ملاك الخيل آن ذاك الشيخ عبدالله بن سعود البوسعيدي والشيخان سليمان وهلال أولاد ناصر الشقصي رحمهما الله والمرحوم سيف بن سالم اللمكي . ولا ننسى أن في بيت القرن كان يوجد مبنيين وهو ما يسمى محليا ( التركبة ) وذلك لطبخ ثمار نخلة المبسلي لم يبقى سوى أطلال إحداها فقط , كما أن هناك مكان لتجفيف المبسلي على مقربة من قبة اليعاربة يسمى الجنور , وتنور يتوسط المنطقة يستخدم من قبل أهالي بيت القرن وذلك لشوي اللحوم أيام الأعياد كذلك توجد مدرسة لتعليم القران الكريم وما زال تعليم القران جاريا فيها ، كما كان يوجد حوض ماء مبني من الحجارة والصاروج قرب مسجد الوسطى كان يستخدم لسقي الخيول إلا أنه أزيل بسبب التوسعة التي جرت للمسجد .